كبشر، نحن نميل لتصور انفسنا بشكل محدد، فنجعل مفهوم النظر للنفس شائعاً بين جميع البشر والذي يعرف في علم النفس الإجتماعي ب”الصورة الذاتية”.
مفهوم “الصورة الذاتية”
“فكرة الشخص عن قدراته، ومظهره، وشخصيته” هو تعريف الصورة الذاتية في قاموس “أوكسفورد”، وتفسير معظم الناس لهذا المصطلح. على الرغم من أن التعريف إلي حدًا ما صحيح، إلا أن الصورة الذاتية أكثر تعقيدًا من تلك الكلمات القليلة والبسيطة.
الصورة الذاتية هي “بناء ذاتي”، مرتبطة بنظرية المفهوم الذاتي وهي نظرة الشخص الذاتية إلي من هو بيولوجيا، وعاطفيا، وروحيا ومن أي جانب آخر يجعله نفسه. الصورة الذاتية لها معني مماثل، وهو كيف يرى الشخص نفسه داخليا و خارجيا، رغم أن هذه الصورة ليس يالضرورة أن تتطابق مع الواقع.
هناك ثلاثة مكونات أولية تشكل نظرة الشخص لنفسه أو تفكيره بها؛ الطريقة التي يفسر بها نظرة الآخرون له ومن يريد أو يطمح أن يكون-نسخته المثالية.
مع ذلك، الصورة الذاتية للشخص أعمق بكثير من ذلك، ويمكن تقسيمها لخمسة أبعاد:-
1-بعد جسدي
الطريقة التي ينظر بها الشخص إلى جسده ويقيمه (طوله،و وزنه، وبشرته، و لون عينيه…إلخ)
2- بعد نفسي
هي جوانب ذاتية للنفس مستندة إلى وصف الذات. بطريقة آخرى، هي سمات أو خصائص محددة لشخصية الفرد.
3- بعد ذهني
كيف يقيم الشخص ذكائه وقدراته العقلية. للتوضيح، هو ما إذا كان يعتقد أن لديه ذكاء عالي أو متوسط أو ضعيف.
4- بعد متعلق بالقدرات
كيف يقيم الشخص قدراته الإجتماعية و العملية. بالنسبة للقدرات الإجتماعية، مثلا سواء كان إجتماعي أو غير إجتماعي أو في مكانا ما بينهما.
5- بعد سياسي
كيف يقيم الشخص قيمه و مدونة أخلاقه. هذه المبادئ قد تكون مبنية على الدين أو الثقافة أو أي عامل خارجي.
اختلف الباحثون على كيفية تنظيم هذه الجوانب فبعضهم يعتقد أنهم معتمدين بالكامل على تأثير المجتمع على الفرد والبعض الآخر يعتقد انهم الناتج المباشر لفعل الشخص. بينما يشتبه الآخرون في أنها مزيج من الاثنان معا.
إضافة إلى ذلك، الصورة الذاتية للشخص تتأثر ايضا بدوره الإجتماعي، الذي هو سمة موضوعية للشخص مثل وضعه في المجتمع المحيط به (طالب/طالبة/أب/أم/شريك/شريكة/لاعب/لاعبة…الخ). يلعب الشخص دورا في تشكيل فكرة طفيفة عن من هذا الشخص لنفسه و للآخرون وكذلك إعطاء فكرة عن توقعات المجتمع للشخص المذكور في مواقف مختلفة.
تأثير صورة الذات على تقدير الذات
تقدير الذات هو التمييز العام لكيف يرى و يشعر الشخص بنفسه. بكلمات ابسط، هي الطريقة التي يقدر بها الشخص نفسه و يعجب بها.
هناك عوامل كثيرة تؤثر على تقدير الذات، واحدة منهم هي الصورة الذاتية. للشرح، إذا كان الشخص لديه صورة ذاتية مفضلة، هذا سيؤثر بالإيجاب على تقديره لنفسه. على سبيل المثال، عندما يرى الشخص نفسه واثقا و متزنا عاطفيا (صورة ذات إيجابية)، يفترض أنه سيكون فعلا واثقا و متزنا عاطفيا (تقدير ذات إيجابي).
بالتالي هذا يؤثر على حياته، على سبيل المثال، سيكون غير مشجع لتجربة أشياء جديدة ويمكن أن يديرتحت الضغط بشكل جيد نسبيا. و العكس صحيح، إذا كان الشخص يشكك في نفسه بشكل دائم و يقارن نفسه بالآخرون بطريقة سلبية (صورة ذاتية معاكسة)، فمن المرجح أن يقلل من شأن نفسه و سيكون مترددا لتجرية أشياء جديدة.
الذات العاكسة
الذات العاكسة هو مفهوم علم النفس الإجتماعي-النفسي ابتكره “تشارلز هورتون كولي” سنة 1902. يناقش هذا المفهوم تشكيل الشخص لذاته و نفسه عن طريق تفاعلاته الإحتماعية في المجتمع و يوضح أن الناس يؤدون دورا مهما في طريقة رؤية الآخرين لهم في المجتمع. النظرية تشبِّه التفاعل الاجتماعي بمرآة: أن الناس يقيسون تقديرهم لذاتهم بناءّ على حكم المجتمع عليهم، ولذلك تتحدى فرضية انفصال النفس عن الصورة الذاتية. على العكس، كلاهما يتكونان في إطارات اجتماعية.. مما يجعل المجتمع والأفراد أجزاء لا تتجزأ من التجربة ذاتها.
مفهوم الذات العاكسة يرتكز على ثلاثة افتراضات:
– ما يظن الأفراد أن الآخرين يرونه حين ينظرون إليهم (صورة الذات)
– ما يظن الأفراد أن الآخرين يحكمون به على ما يظن أنهم يرونه.
– تقييم الذات وصورة الذات الناتجة عن هذا الحكم (تقدير الذات)
للتوضيح، يميل الأشخاص إلى تكوين اعتقادات عما يراه الأفراد حين ينظرون إليهم، وحين يقابلون الأفراد، يبدؤون في تصور حكم الأفراد على مظهرهم المزعوم. وبالتالي، يبدأ الشخص في تحليل تقييم الآخرين، إذا كان مدحًا تتحسن صورة النفس، وإذا كان نقدًا تسوء صورة النفس.
نظرية النفس العاكسة هي نظرية مثيرة للجدل إلى حد ما لعدة أسباب. أولًا، تفترض أن الناس لديهم فكرة مناسبة بشكل عام عن الطريقة التي ينظر بها الآخرون إليهم، غير أنه وفقًا للبحث تميل هذه الافتراضات إلى أن تكون غير دقيقة في معظم الأوقات. ويجادل بعض الباحثين بأن الأمر عكس ذلك (أي، يعتقد الناس أن الآخرين ينظرون إليهم بالطريقة التي يرون بها أنفسهم). علاوة على ذلك، فإن السبب الآخر لكون هذه النظرية مثيرة للجدل هو أن مفاهيم الإدراك الذاتي الأخرى تشير إلى تفسيرات متناقضة لعملية تكوين وجهات النظر الذاتية. تدعي إحدى النظريات (نظرية الإدراك الذاتي) أن وجهة نظر الشخص الذاتية تعتمد فقط على سلوكهم الخاص، وليس كيف يتخيلون أن الآخرين يرونهم.
التعامل مع صورة الذات السلبية
مع وجود 7.8 مليار شخص حاليًا في العالم، يكاد يكون من المستحيل الحصول على نهج واحد يناسب الجميع للتعامل مع الصورة الذاتية المدمرة. ومع ذلك، هناك عدد قليل من “الإرشادات” أو الخطوات التي يجب اتباعها للمساعدة في تحسين الإدراك الذاتي السلبي.
بدايةً، من المهم أن يكون الشخص مدركًا لذاته ويمكنه التعرف على سبب تشكل الصورة الذاتية السلبية المذكورة أعلاه في المقام الأول. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من المفيد تدوين الأسباب الكامنة وراء الأفكار السلبية في مجلة أو مدونة عبر الإنترنت.
بالوعي الذاتي تأتي المرحلة التالية: عدم الحكم على النفس. عندما يتعلق الأمر بتحسين الذات، من المهم الغفران والتقبل بالإضافة إلى منحها مساحة لارتكاب الأخطاء والنمو، بدلاً من جعل الأحكام تدمر احترام الذات.
كما أن التعاطف مع الذات هو أحد أساسيات امتلاك صورة ذاتية واعدة. هناك طرق متعددة للتعاطف مع الذات، اثنتان منها ممارسة التسامح مع الذات وتقبل التحديات بدلاً من تجنبها.
أخيرًا، وليس آخراً بالتأكيد، يمكن للفرد أن يكتب كل صفاته الحسنة؛ إذا لم تستطع القيام بذلك بمفردك (نظرًا لأنه قد يكون من الصعب إلى حد ما الاعتراف بمزايا المرء، خاصة مع تدني احترام الذات)، فيمكنك طلب المساعدة من أحد الأحباء الموثوق بهم، والتي يمكن أن تكون في شكل تأكيدات إيجابية أو مجرد سرد الصفات الحسنة بالنسبة لهم.
وبالحديث عن الحصول على مساعدات خارجية، فإن الذهاب بانتظام إلى معالج يمكن أن يساعد بشكل كبير من يعاني من تدني احترام الذات والصورة السلبية عن الذات. المعالج هو شخص متخصص في علاج أي مشكلة نفسية، بما في ذلك – على سبيل المثال لا الحصر – مشاكل الإدراك الذاتي. بغض النظر عن المرحلة التي يمر بها الشخص الذي يعاني من صورته الذاتية (على سبيل المثال، ما إذا كان غير مدرك تمامًا للسبب (الأسباب)، أو يعرفها ولكن لا يعرف كيفية التغلب عليها)، فمن المرجح أن يوجهه طبيب نفسي إلى تطوير صورة ذاتية أفضل وأصح.
الخلاصة
يمكن أن نستخلص أن هوية الإنسان أكثر تعقيدًا بكثير مما يمكن أن توضحه العلوم الاجتماعية والكلمات. كلما مر الوقت تطور العقل البشري واتسع نطاق التجارب البشرية، وزادت صعوبة الإشارة إلى كيفية تكوين الصورة الذاتية واحترام الذات ومفهوم الذات للشخص. ومع ذلك، هذا لا يعني بالضرورة أنه لا توجد إجابات للسؤال المتعلق بكيفية تشكيل الشخص لرؤيته الذاتية – فهو يترك مجالًا فقط للناس لاكتشاف المزيد مع مرور الوقت. على الرغم من أن هذا البحث قد لا يشمل جميع المعارف المتعلقة بالصورة الذاتية للإنسان، إلا أنه أوضح لمحة عن ماهية الصورة الذاتية، وكيف تختلف عن تقدير الذات وتؤثر عليه، ونظرية الذات العاكسة ودورها في تكوين الصورة الذاتية مع الأساليب المختلفة للتعامل مع الصورة الذاتية السلبية.